You are here

مفهوم "الهندسة الديمقراطية"

مفهوم "الهندسة الديمقراطية"

 

ما هي "الهندسة الديمقراطية"؟

 

التعريف الرسمي للهندسة الديمقراطية هو: "التصميم، والابتكار، وبناء العمليات السياسية، والهياكل والنظم بصفة عامة، على أساس المبادئ الديمقراطية و الأفكار البديهية الأساسية الشفافة".

 

المبادئ الأساسية المستخدمة في هذه النظرية هي :

  • أن "جميع البشر متساوون في الكرامة"،

  • وأن "السيادة بيد الشعب

 

هذه الأفكار البديهية مقبولة لكل البشر تقريباً، ولكن تطبيقها في الواقع ليس سهلاً. الهندسة الديمقراطية هي منظومة فكرية شاملة، تجمع بين تخصصات علمية مختلفة والعديد من جوانب المعرفة الإنسانية، وهي قابلة للتكرار، بمعنى أنه بالإمكان إعادة تطبيق نموذج معين في بلدان أخرى.

 

نقول إن الهندسة الديمقراطية هي مبدأ علمي لأنها توفر إطاراً تفسيرياً متماسكاً للكثير من الحقائق والأحداث، ولأنها لا تستخدم عناصراً خارقةً أو غير اعتياديةٍ لتفسير الأمور، والأهم من ذلك لأنها تسمح لنا بحل المشاكل باتخاذ الأحكام بطريقة منهجية، وبالتالي فمن الإمكان الشك بأصحيتها، وهو شرط أساسي لكي تكون هذه النظرية نظريةً علميةً وفقاً للفيلسوف كارل بوبر.

 

لماذا نهندس الديمقراطية؟

 

لقد تم التقدم نحو الديمقراطية على مد العصور من خلال الحروب والثورات، و هذا لا يزال ظاهراً في عام 2011. و هذا يعني للأسف الشديد أن العديد من الناس الأبرياء يموتون نتيجة لذلك. إن المعركة الحقيقية و الأهم هي المعركةُ من أجل الشرعيةِ، و هذا هو مجال الخبرة للهندسة الديمقراطية.

 

الهندسةُ الديمقراطيةُ تهدف إلى إحداث انتقال سلس بين حالة وأخرى، عن طريق إيجاد الحد الأقصى من الشرعية للأطراف المشاركة في التغيير، مع تقليل أو تجنب الخسائر في الأرواح تماماً عند تغيير أو تحسين الأنظمة السياسية.

 

عندما تود عائلة ما أن تبني منزلاً جديداً أو ترمم منزلها، فإنها تقوم باستشارة منهدس معماري من أجل ذلك : هذا ما نأمله في المستقبل حينما يرغب شخص ما بتحسين نظامه السياسي. أي أن يتصل قبل كل شيء بمستشار في الديمقراطية، المهندس الديمقراطي، للحصول على أفضل مشورة ممكنة والتقليل من المخاطر. المهندسون الديمقراطيون ينصحون فقط و يقدمون المشورة للزبون بالطبع، أما القرارات النهائية فهي دائماً بيدي الزبون، الذي يستطيع أن يطلب من شركة الاستشارات الديمقراطية أن تقوم بتنفيذ استراتيجية ما.

 

مهندسو الديمقراطية يتمتعون بآراء دقيقة و يفهمون تعقيدات الديمقراطية. نحن نساعد على تجنب استخدام الديمقراطية كهدف بحد ذاته والتركيز على إيجاد الحل الأمثل لكل زبون. وعلاوةً على ذلك، يرفض مهندسو الديمقراطية و يدركون أنه لا يوجد أي نموذج أو نظام سياسي مثالي أوحد، إنما نستطيع فقط البحث عن أمثل نموذج لكل كيانٍ سياسي. هذا النموذجُ الأمثلُ هو بحد ذاته ديناميكيةٌ تتغيرُ مع مرورِ الوقتِ. مفهومُ النظامِ السياسي المثالي الأوحد لا يزال مهيمناً في اللاوعي الجماعي للأسفِ الشديد، وقد أدى هذا المفهوم إلى فظائع طيلة التاريخ. الإنسان لا يستطيع الوصول إلى اليوتوبيا أو المدينة الفاضلة لأنه غير كاملٍ. لذلك يتوجب على المرء أن يتخلص من فكرة اليوتوبيا عندما يقوم بالتخطيط لبناءِ الديمقراطيةِ. وهذا أصعبُ بكثيرٍ مما يتصورهُ البعضُ.

 

ما هي حدودُ الهندسةِ الديمقراطيةِ؟

 

الهندسة الديمقراطية ليست دواءً سحرياً و قد تفشل في بعض الأحيانِ، ولكن أن تحاول وتفشل أفضل بكثير من ألا تحاول على الإطلاق. إن العنف لا يمكن أن يكون إلا الخيار الأخير و يجب على العكس تحبيذ الحلول السلمية كمبدأ أساسي. الهندسة الديمقراطية تزيد بصفة عامة من فرص نجاح عملية الانتقال السلمي للدولة الجديدة المطلوبة، وذلك على مستويات مختلفة.

 

الهندسة الديمقراطية ليست عصا سحرية، مثلما أن الديمقراطية ليست كذلك. حدود الهندسة الديمقراطية تكمن في الخطوة الأولى من الأسلوب الذي سيحدد إطار النظام المنظور فيه. هذا يعني أن الهندسة الديمقراطية لا يمكنها "حل" قضية أي إقليم يرغب في الانفصال عن إقليم آخر، لأن عزيمة متخذ القرار في الانفصال هي مسألة خارجة عن نطاق الهندسة الديمقراطية.

من جانب آخر، إن استطاع علماء الجينات في المستقبل تغيير جينات البشر عن طريق الهندسة الوراثية لجعلهم أقوى أو متمتعين بقدرات خارقة، فسيشكل هذا خطراً جسيماً لأسسِ الديمقراطيةِ نفسِها، حيث أن أحد المبادئ الرئيسية للهندسة الديمقراطية هو المساواةُ الكاملةُ بين البشر.

 

أحدُ القيودِ الأخرى التي تقيد نظرية الهندسة الديمقراطية هو أن مهندسي الديمقراطية ليس لهم أي سلطةٍ مباشرةٍ لإحداث التغييرِ حيثُ أن هذا التغيير لا يقوم به إلا الزبون السياسي الذي يقرر لوحده ما يفعله و كيف سيفعله في نهاية المطاف. وهذا هو ما يضمن استقلالية المهندس الديمقراطي، الذي يستطيع فقط أن ينصح و يقنع و يخطط و يشرح الحلول المختلفة إلخ،...

 

لماذا الديمقراطية؟

 

المهندس الديمقراطي لا يجيب على السؤال الأساسي ألا و هو : " لماذا الديمقراطية؟". هذا سؤال فلسفي و سياسي يتوجب على كل شعب أن يطرحه و يجيب عنه بنفسه. المهندس الديمقراطي يقدم فقط خدمة للأشخاص والحكومات الذين يرغبون ذلك. وبالتالي المهندس الديمقراطي لا يفرض أي شيء أبداً، إنما يقوم فقط بتقديم أفضل مشورة ممكنة، بالاستناد على مبادئ أساسية، والمساعدة على وضع استراتيجية لتنفيذ أهداف الزبون، كما تفعل أي شركة استشارية في أي مجال آخر.

 

يمكن الإجابة على سؤال "لماذا الديمقراطية" بالقول إن : الديمقراطية هي ركيزة من مرتكزات التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للشعب، وهي تؤدي إلى توزيع أفضل للموارد بين أفراد المجتمع وتضمن الاستقرار على المدى الطويل لأن الناس في كل مكان يريدون أن يكونوا أحراراً و أن يقرروا مصيرهم بـأنفسهم.

 

إن التوجه التاريخي اليوم هو بصوب المزيد و المزيد من الديمقراطية، وذلك في ظل تطور التكنولوجيا، وارتفاع مستوى المعيشة، و في ظل تحول العالم إلى قرية صغيرة، تعرف فيها الشعوب كل ما يجري عند الجيران و الشعوب الأخرى. يجب على كل بلد أن يقرر لنفسه ما يريد القيام به، ولكن إن كان بلد من البلدان يهدف لتحسين نظامه من أجل المزيد من الديمقراطية، فإنه من المفيد له أن يوظف مهندسي الديمقراطية المستقلين، خصوصاً و أن الإصلاحات والتحولات حساسة للغاية و هشّة، و يمكنها أن تذهب بسهولة في الاتجاه الخاطئ، مع ما يترتب على ذلك من وقوع خسائر في الأرواح.

 

ماذا يفعل مهندسو الديمقراطية؟

 

يساعد مهندسو الديمقراطية على تصميم وخلق وتنفيذ الاستراتيجيات، بما في ذلك استراتيجيات التحول إلى الديمقراطية، بالإضافة إلى ضبط وتكييف الاستراتيجية باستمرار كلما دعت الحاجة. فقد يتخذ المرء قراراتٍ خاطئة و متناقضة مع أهدافه الأصلية عندما يكون متأثراً وفي خضم المعركة، لذا من المفيد له أن يحظى بخدمات شركة مستقلة للاستشارات في مجال الهندسة الديمقراطية، تساعده في تنفيذ ومواصلة الاستراتيجية بطريقة مرنة.

 

للتحول الديمقراطي مخاطر عديدة، فقد يتم تطبيق الديمقراطية في مجالات لا تحتاجها، و قد تكون الديمقراطية ضارة أيضاً إن كان هناك تطبيق أكثر من اللازم للديمقراطية، و في نفس الوقت من الخطير أن لا تطبق الديمقراطية في المجالات التي يجب أن تكون موجودةً فيها، أو إن كانت قليلة جداً في هذه المجالات. الديمقراطية هي تقنية سياسية متطورة جداً، مثلها مثل أي تكنولوجيا أخرى، ولا يمكنها أبداً أن تكون كاملة، يتم تكييفها بالشكل المناسب لكل حالة، تماما كما لا يمكن أن تكون أداةٌ معينة مناسبةً لكل الحالة. مهندسو الديمقراطية يساعدون الزبائن على التنقل في مسار رفيعٍ جداً بين الديمقراطية الزائدة والقليلة جداً، و بين تطبيق شديد التبسيط للديمقراطية أو تطبيق شديد التعقيد للمبادئ الديمقراطية.

 

ومن خلال تطبيق الانتقال الديمقراطي الصحيح يمكننا أن نساعدكم على تأمين النجاح الاقتصادي لبلدكم، وتجنب المزيد من العنف وأعمال الشغب، وتقليل خطر نشوب حرب أهلية.

يستطيع مهندسو الديمقراطية مساعدتكم أيضاً على تصميمِ السياسةِ الخارجيةِ التي تحترم وتعزز مبادئ الديمقراطية الأساسية. فالمهندسون الديمقراطيون يفهمون تعقيد النظام الدولي، ويمكنهم تقديم المشورة حول أفضل السبل لضمان مصالح بلدكم و تعزيزها على المدى البعيد في هذا النظام العالمي، والتوجه في نهاية المطاف نحو نظام عالمي أكثر ديمقراطية و أكثر احتراماً لحقوق كل البشر. إن الهدف النهائي للمهندسين الديمقراطيين هو أن تتحسن الأوضاع في العالم بالشكل الذي يكون هناك لا حاجة لهم فيه.

يجب أن تكون سياساتكم المحلية و الدولية متناسقة، وإن كانت كذلك، فإن بلدكم سيساهم في الانتقال الفعلي إلى نظامٍ عالميٍ أكثر ديمقراطية، تماماً كما إنكم تنتقلون إلى الديمقراطية على الصعيد الوطني.

Arabic